الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من فوائد الرازي: قال قتادة: كان أهل الجاهلية إذا جرح السبع شيئًا فقتله وأكل بعضه أكلوا ما بقي، فحرمه الله تعالى.وفي الآية محذوف تقديره: وما أكل منه السبع لأن ما أكله السبع فقد نفد ولا حكم له، وإنما الحكم للباقي. اهـ..من فوائد القرطبي في الآية: قال رحمه الله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ...} الآية.فيها ست وعشرون مسألة:الأولى قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمُ الخنزير وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ} تقدّم القول فيه في البقرة.الثانية قوله تعالى: {والمنخنقة} هي التي تموت خنقًا، وهو حبس النفس سواء فعل بها ذلك آدميّ أو اتفق لها ذلك في حبل أو بين عودين أو نحوه.وذكر قتادة: أن أهل الجاهلية كانوا يخنقون الشاة وغيرها فإذا ماتت أكلوها؛ وذكر نحوه ابن عباس.الثالثة قوله تعالى: {والموقوذة} الموقوذة هي التي تُرمى أو تضرب بحجر أو عصا حتى تموت من غير تذكية؛ عن ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك والسدي؛ يُقال منه: وَقَذَه يَقِذُه وَقْذًا وهو وَقِيذ.والوَقْذ شِدّة الضرب، وفلان وقيذ أي مثخن ضربًا.قال قتادة: كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك ويأكلونه.وقال الضحاك: كانوا يضربون الأنعام بالخشب لآلهتهم حتى يقتلوها فيأكلوها، ومنه المقتولة بقوس البندق.وقال الفرزدق:وفي صحيح مسلم عن عديّ بن حاتم قال: قلت يا رسول الله فإني أرمي بالمِعْراض الصيد فأصيب؛ فقال: «إذا رميت بالمِعراض فَخَزَق فكُلْه وإن أصابه بِعرضه فلا تأكله» وفي رواية «فإنه وَقِيذ» قال أبو عمر: اختلف العلماء قديمًا وحديثًا في الصيد بالبُنْدُق والحجر والمِعراض؛ فمن ذهب إلى أنه وَقِيذ لم يُجزه إلاَّ ما أدرك ذكاته؛ على ما روي عن ابن عمر، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأصحابه والثوريّ والشافعي.وخالفهم الشاميون في ذلك؛ قال الأوزاعي في المِعراض؛ كُلْهُ خَزَق أو لم يَخزِق؛ فقد كان أبو الدّرداء وَفَضَالة بن عبيد وعبد الله بن عمر ومكحول لا يرون به بأسًا؛ قال أبو عمر: هكذا ذكر الأوزاعيّ عن عبد الله بن عمر، والمعروف عن ابن عمر ما ذكره مالك عن نافع عنه.والأصل في هذا الباب والذي عليه العمل وفيه الحجة لمن لَجَأ إليه حديثُ عديّ بن حاتم وفيه «وما أصاب بعَرْضه فلا تأكله فإنما هو وَقِيذ».الرابعة قوله تعالى: {والمتردية} المتردية هي التي تتردّى من العلو إلى السفل فتموت؛ كان ذلك من جبل أو في بئر ونحوه؛ وهي متفعِّلة من الردى وهو الهلاك؛ وسواء تردَّت بنفسها أو ردّاها غيرها.وإذا أصاب السهم الصيد فتردّى من جبل إلى الأرض حرم أيضًا؛ لأنه ربما مات بالصدمة والتردّي لا بالسهم؛ ومنه الحديث: «وإن وجدته غريقًا في الماء فلا تأكله فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك» أخرجه مسلم.وكانت الجاهلية تأكل المتردّي ولم تكن تعتقد ميتة إلاَّ ما مات بالوجع ونحوه دون سبب يعرف؛ فأما هذه الأسباب فكانت عندها كالذكاة؛ فحصر الشرع الذكاة في صفة مخصوصة على ما يأتي بيانها، وبقيت هذه كلها ميتة، وهذا كله من المحكم المتفق عليه.وكذلك النطيحة وأكيلة السبع التي فات نَفَسها بالنطْح والأكل.الخامسة قوله تعالى: {والنطيحة} النطيحة فعِيلة بمعنى مفعولة، وهي الشاة تنطحها أخرى أو غير ذلك فتموت قبل أن تُذَكّى.وتأول قوم النطيحة بمعنى الناطحة؛ لأنّ الشاتين قد تتناطحان فتموتان.وقيل: نطِيحة ولم يقل نطِيح، وحق فعِيل لا يذكر فيه الهاء كما يُقال: كَفٌّ خَضِيب ولِحية دَهِين؛ لكن ذكر الهاء هاهنا لأن الهاء إنما تحذف من الفعِيلة إذا كانت صفة لموصوف منطوق به؛ يُقال: شاة نطيح وامرأة قتيل، فإن لم تذكر الموصوف أثبت الهاء فتقول: رأيت قتيلة بني فلان وهذه نطيحة الغنم؛ لأنك لو لم تذكر الهاء فقلت: رأيت قتيل بن فلان لم يعرف أرجل هو أم امرأة.وقرأ أبو مَيْسَرة {والمنطوحة}.السادسة قوله تعالى: {وَمَا أَكَلَ السبع} يريد كل ما افترسه ذو ناب وأظفار من الحيوان، كالأسد والنمِر والثّعلب والذئب والضَّبُع ونحوها، هذه كلها سباع.يُقال: سبع فلان فلانًا أي عَضّه بِسنِّه، وسَبَعه أي عابه ووقع فيه.وفي الكلام إضمار، أي وما أكل منه السّبع؛ لأنّ ما أكله السّبع فقد فَنِي.ومن العرب من يوقف اسم السّبع على الأسد، وكانت العرب إذا أخذ السبع شاة ثم خلصت منه أكلوها، وكذلك إن أكل بعضها؛ قاله قتادة وغيره وقرأ الحسن وأبو حَيْوة {السّبْع} بسكون الباء، وهي لغة لأهل نَجْد.وقال حسّان في عُتْبة بن أبي لَهَب: وقرأ ابن مسعود: {وأَكِيلَة السّبُع} وقرأ عبد الله بن عباس: {وأكِيل السّبُع}.السابعة قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} نصب على الاستثناء المتّصل عند الجمهور من العلماء والفقهاء، وهو راجع على كلّ ما أدرك ذكاته من المذكورات وفيه حياة؛ فإن الذكاة عاملة فيه؛ لأن حق الاستثناء أن يكون مصروفًا إلى ما تقدّم من الكلام، ولا يجعل منقطعًا إلاَّ بدليل يجب التسليم له.رَوى ابن عُيَيْنة وشُرَيك وجَرير عن الرُّكَيْن بن الرّبيع عن أبي طلحة الأسديّ قال: سألت ابن عباس عن ذئب عدا على شاة فشقّ بطنها حتى انتثر قُصْبها فأدركت ذكاتها فذكّيتها فقال: كُل وما انتثر من قُصْبِها فلا تأكل.قال إسحاق بن رَاهْوَيْه: السّنة في الشاة على ما وصف ابن عباس؛ فإنها وإن خرجت مصارينها فإنها حيّة بعد، وموضع الذكاة منها سالم؛ وإنما ينظر عند الذبح أحيّة هي أم ميتة، ولا ينظر إلى فعل هل يعيش مثلها؟ فكذلك المريضة؛ قال إسحاق: ومن خالف هذا فقد خالف السنّة من جمهور الصحابة وعامّة العلماء.قلت: وإليه ذهب ابن حبيب وذُكر عن أصحاب مالك؛ وهو قول ابن وَهْب والأشهر من مذهب الشافعيّ.قال المُزنيّ: وأحفظ للشافعي قولًا آخر أنها لا تؤكل إذا بلغ منها السّبع أو التردّي إلى ما لا حياة معه؛ وهو قول المدنيّين، والمشهور من قول مالك، وهو الذي ذكره عبد الوهاب في تلقينه، ورُوي عن زيد بن ثابت؛ ذكره مالك في موطّئه، وإليه ذهب إسماعيل القاضي وجماعة المالكيّين البغداديين.والاستثناء على هذا القول منقطع؛ أي حرمت عليكم هذه الأشياء لكن ما ذكيّتم فهو الذي لم يحرّم.قال ابن العربي: اختلف قول مالك في هذه الأشياء؛ فروي عنه أنه لا يؤكل إلاَّ ما ذُكِّي بذكاة صحيحة؛ والذي في الموطّأ أنه إن كان ذَبَحها وَنَفَسُها يجري وهي تضطرب فليأكل؛ وهو الصحيح من قوله الذي كتبه بيده وقرأه على الناس من كل بلد طول عمره؛ فهو أولى من الروايات النادرة.وقد أطلق علماؤنا على المريضة أن المذهب جواز تذكيتها ولو أشرفت على الموت إذا كانت فيها بقِية حياة؛ وليت شِعري أيّ فرق بين بقية حياة من مرض، وبقية حياة من سبع لو اتسق النظرُ، وسلمت من الشّبهة الفِكَرُ!.وقال أبو عمر: قد أجمعوا في المريضة التي لا ترجى حياتها أن ذبحها ذكاة لها إذا كانت فيها الحياة في حين ذبحها، وعلم ذلك منها بما ذكروا من حركة يدها أو رجلها أو ذَنبها أو نحو ذلك؛ وأجمعوا أنها إذا صارت في حال النّزْع ولم تحرّك يدًا ولا رِجْلًا أنه لا ذكاة فيها؛ وكذلك ينبغي في القياس أن يكون حكم المتردّية وما ذكر معها في الآية. والله أعلم.الثامنة قوله تعالى: {ذَكَّيْتُمْ} الذكاة في كلام العرب الذبح؛ قاله قُطْرُب.وقال ابن سيده في «المحكم»: والعرب تقول «ذكاة الجنين ذكاة أُمّه»، قال ابن عطية: وهذا إنما هو حديث.وذكَّى الحيوان ذَبَحه؛ ومنه قول الشاعر: قلت: الحديث الذي أشار إليه أخرجه الدّرَاقطني من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وعلي وعبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ذكاة الجنين ذكاة أُمه» وبه يقول جماعة أهل العلم، إلا ما روي عن أبي حنيفة أنه قال: إذا خرج الجنين من بطن أمّه ميتًا لم يحل أكله؛ لأن ذكاة نفس لا تكون ذكاة نفسين.قال ابن المُنذر: وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ذكاة الجنين ذكاة أُمّه» دليل على أن الجنين غير الأُمّ، وهو يقول: لو أعتقت أَمَةٌ حامل أن عتقه عتق أُمّه؛ وهذا يُلزمه أن ذكاته ذكاة أُمّه؛ لأنه إذا أجاز أن يكون عتق واحد عتق اثنين جاز أن يكون ذكاة واحد ذكاة اثنين؛ على أن الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما جاء عن أصحابه، وما عليه جُلُّ الناس مستغنىً به عن قول كل قائل.وأجمع أهل العلم على أن الجنين إذا خرج حيًا أن ذكاة أُمّه ليست بذكاة له.واختلفوا إذا ذكيت الأمّ وفي بطنها جنين؛ فقال مالك وجميع أصحابه: ذكاته ذكاة أُمّه إذا كان قد تمّ خَلْقه ونبت شعره، وذلك إذا خرج ميتًا أو خرج به رمق من الحياة، غير أنه يستحب أن يذبح إن خرج يتحرك، فإن سبقهم بنفسه أكل.وقال ابن القاسم: ضحيت بنعجة فلما ذبحتها جعل يركض ولدها في بطنها فأمرتهم أن يتركوها حتى يموت في بطنها، ثم أمرتهم فشقوا جوفها فأخرج منه فذبحته فسال منه دم؛ فأمرت أهلي أن يشووه.وقال عبد الله بن كعب بن مالك.كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمّه.قال ابن المنذر: وممن قال ذكاته ذكاة أمّه ولم يذكر أشعر أو لم يشعر علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسعيد ابن المسيِّب والشافعي وأحمد وإسحاق.قال القاضي أبو الوليد الباجي: وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ذكاة الجنين ذكاة أُمّه أشعر أو لم يشعر» إلا أنه حديث ضعيف؛ فمذهب مالك وهو الصحيح من الأقوال، الذي عليه عامّة فقهاء الأمصار. وبالله التوفيق.التاسعة قوله تعالى: {ذَكَّيْتُمْ} الذكاة في اللغة أصلها التمام، ومنه تمام السِّنّ.والفرس المذكّى الذي يأتي بعد تمام القُرُوح بسنة؛ وذلك تمام استكمال القوّة.ويقال: ذَكَّى يذكّى والعرب تقول: جرى المْذَكِّيات غِلاَب.
|